recent
أخبار ساخنة

# الخرافات والمعتقدات الشعبية في شمال المغرب: إرث ثقافي متجذر في الذاكرة الجمعية

 

# الخرافات والمعتقدات الشعبية في شمال المغرب: إرث ثقافي متجذر في الذاكرة الجمعية

 

يُعدّ التراث الشعبي الشفوي بمثابة الكنز الثقافي الذي يحمل بين طياته عصارة تجارب الشعوب وحكمتها المتراكمة عبر العصور. وفي زمن تتسارع فيه وتيرة العولمة، التي تهدد بتنميط الثقافات وطمس الهويات المحلية، يزداد الاهتمام بهذا الموروث باعتباره صمام أمان يحفظ التنوع الثقافي ويُعزّز الأصالة. منطقة شمال المغرب، وعلى غرار العديد من المناطق العريقة، تختزن ذاكرة جمعية غنية بالمعتقدات والخرافات الشعبية التي تُشكّل جزءًا لا يتجزأ من هويتها الثقافية.

يُعدّ التراث الشعبي الشفوي بمثابة الكنز الثقافي الذي يحمل بين طياته عصارة تجارب الشعوب وحكمتها المتراكمة عبر العصور. وفي زمن تتسارع فيه وتيرة العولمة، التي تهدد بتنميط الثقافات وطمس الهويات المحلية، يزداد الاهتمام بهذا الموروث باعتباره صمام أمان يحفظ التنوع الثقافي ويُعزّز الأصالة. منطقة شمال المغرب، وعلى غرار العديد من المناطق العريقة، تختزن ذاكرة جمعية غنية بالمعتقدات والخرافات الشعبية التي تُشكّل جزءًا لا يتجزأ من هويتها الثقافية.
# الخرافات والمعتقدات الشعبية في شمال المغرب: إرث ثقافي متجذر في الذاكرة الجمعية


# الخرافات والمعتقدات الشعبية في شمال المغرب: إرث ثقافي متجذر في الذاكرة الجمعية

  • إنّ دراسة هذه المعتقدات لا تقتصر على مجرد سرد قصص الماضي، بل تتجاوز ذلك لتُقدّم نافذة فريدة
  •  لفهم أعمق للعقل الجمعي الشعبي، والنظام الرمزي الذي استخدمه الإنسان للتعبير عن مخاوفه، آماله
  •  تطلعاته، وتفسيره للعالم من حوله. كما تُسهم في كشف طبيعة العلاقات الإنسانية؛ سواء بين الأفراد
  •  أو بين الإنسان والبيئة المحيطة به، والتي تتراوح بين الخوف، الحب، والكراهية، مُتشكّلة في نسيج
  •  اجتماعي وثقافي فريد.

لقد اعتمدت هذه الدراسةعلى منهج بحثي ميداني، تمثل في إجراء مقابلات معمّقة مع أشخاصٍ من ذوي الخبرة والرصيد الثقافي الشعبي الواسع في منطقة جبالة، وتحديدًا في ضواحي جماعة زومي وعمالة المقريصات.

 هدفنا من ذلك توثيق هذه المعتقدات وتفسير دلالاتها، بالاستناد إلى روايات المبحوثين وخبرتنا المتراكمة بالمنطقة. وتُغطّي هذه المعتقدات نطاقًا واسعًا من المواضيع، تشمل الحيوانات، أدوات المطبخ والمنزل، الخضروات، الفواكه، والحبوب، كلٌّ منها يحمل في طياته رسالة أو تحذيرًا أو بشرى، تتوارثها الأجيال.


## تعريف الخرافة والمعتقد الشعبي جدل تاريخي وتفسيرات حديثة

 

قبل الغوص في تفاصيل النماذج المحلية، من الضروري تحديد مفهوم الخرافة والمعتقد الشعبي. يُعرّف الاعتقاد الشعبي، أو الإيمان بالخرافة، على أنه "اعتقاد الإنسان في قوى خفية أو تأثيرات غير منطقية للأشياء، الأدوات، الحيوانات، والأماكن من حوله، بهدف دفع ضرر مُتوقع أو جلب خير مرجو". هذه المعتقدات ضاربة في عمق التاريخ، فقد وُجدت قبل ظهور الديانات الكبرى التي سعت لمواجهتها وتقويمها، إلا أنها ظلت مستمرة، مُثبتةً قدرتها على الصمود عبر القرون.

 

  • في هذا السياق، تُشير شيماء ملا يوسف، مستندةً إلى موسوعة لالاند الفلسفية، إلى أن "الخرافات
  • (superstition) هي الحالة الذهنية لمن يعتقد خطأً أن بعض الأفعال، الأقوال، أو الأرقام، تجلب
  •  السعادة أو التعاسة". ويُوضح لالاند أن المعنى الاشتقاقي للكلمة اللاتينية (superstitiosus) كان
  •  يُطلق في الأصل على "الذين كانوا يصلّون باستمرار ليعيش أولادهم من بعدهم". كما يُرجعها إلى
  •  معجم فروند وثيل، حيث تُعبر عن "عملية الوقوف على شيء ما، كالحيرة، والقلق، والخوف
  •  وبخاصة الخوف من الآلهة". هذا التعريف يُبرز الجانب النفسي والوجودي للمعتقدات، حيث تُشكّل
  •  استجابة الإنسان لمجهول يثير قلقه.

 

  1. من المهم التأكيد على أن مفهوم الخرافة ليس مقتصرًا على الأفكار القديمة التي تبدو لنا غير منطقية
  2.  كخروج جني من مصباح أو وجود حورية البحر. بل، وفي تعريف أكثر دقة وعمقًا يُقدّمه قاموس
  3.  ميريام وبستر، تُعدّ الخرافة "اعتقادًا أو سلوكًا مبنيًا على أساس من الخوف والجهل، والسحر، والتنبؤ
  4.  أو خطأ الاعتقاد بالعلاقات السببية". هذا التوصيف الأخير هو الأكثر شمولية ويُفسّر استمرارية هذه
  5.  الظاهرة حتى في المجتمعات الحديثة.

 

لقد شهدنا في العقود الأخيرة ظهور ممارسات تُشبه في جوهرها المعتقدات الشعبية، ولكنها تُغلّف أحيانًا بصبغة دينية أو اجتماعية حديثة. على سبيل المثال، أصبح توزيع الكتب المطبوع عليها اسم الميت كهدية عملًا شائعًا، مُستندًا إلى تفسير حديث نبوي: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

 هذا الفعل، رغم جدليته في بداياته، ترسّخ في الوعي الجمعي كجزء من الدين، مُظهرًا كيف يمكن للمعتقدات أن تتراكم وتندمج في الممارسات الدينية، مما يجعل فصلها عنها أمرًا صعبًا للغاية.

 

إنّ الميل البشري إلى الكسل في تغيير المعتقدات والممارسات المُعتادة يُفسّر استمرارية الكثير منها. فحتى اليوم، نقول "الشمس تشرق وتغرب"، رغم علمنا بأن الأرض هي التي تدور حول الشمس. هذا القول يعود إلى اعتقاد قديم، ولكنه استمر بسبب العادة، وإن كنا لا نعنيه حرفيًا. ولكن ماذا لو لم نستطع إخضاع المُعتقد لتجربة علمية تثبت صحته من عدمه؟ هنا يكمن سر بقاء العديد من الخرافات، التي تظلّ متجذرة في النفوس، تُشكّل جزءًا من الرؤية الكونية للمجتمع.

 

## نماذج من المعتقدات الشعبية في شمال المغرب دلالات ورموز

 

تُقدّم منطقة شمال المغرب ثروة من المعتقدات الشعبية التي تعكس علاقة الإنسان ببيئته، أسرته، ومستقبله. لنستعرض بعضًا من هذه النماذج:

 

1.  **المظلة (الشمسية):** يُعتقد أن فتح المظلة داخل المنزل ينذر بانقلاب الأمور رأسًا على عقب. والتشابه هنا رمزي؛ فكما تُفتح المظلة في غير مكانها الطبيعي (الخارج)، فإن هذا الفعل ينعكس سلبًا على استقرار الحياة المنزلية.

 

2.  **الحذاء:**

    *   **انقلاب الحذاء:** إذا انقلب الحذاء على فمه، يُعتبر ذلك نذير شؤم لأصحاب المنزل، ويُشير إلى انقلاب أحوالهم وتدهورها، تمامًا كحال الحذاء المنقلب.

    *   **تراكم الحذاء:** يُقال إنه إذا وقع حذاء على حذاء آخر بالصدفة، فإن صاحب الحذاء سيسافر إلى مكان بعيد، مُعلنًا عن مغادرة وشيكة أو رحلة طويلة.

 

3.  **الصنبور (الحنفية):** يعتقد الناس أن رؤيا الأحلام السيئة يُمكن إبطال مفعولها بقصّها على الصنبور المفتوح؛ فبزوال الماء، تزول الشرور المُحتملة. أما الرؤى الحسنة، فيجب إعلانها ونشرها بين الناس لتتحقق. يُعتبر القلب هو المقياس لتحديد طبيعة الرؤيا، إن كانت خيرًا أم شرًا.

 

4.  **المغرفة (ملعقة الطعام الكبيرة):** من المعتقدات الراسخة أن ضرب الفتاة العزباء بالمغرفة يُصيبها بنحس العنوسة، فتظل بائرة ولا تتزوج. تُفسّر هذه المعتقدات بأن المغرفة ترمز إلى أنوثة الفتاة، وفي نفس الوقت إلى العزلة والوحدة. وبالتالي، فإن ضربها بها ينقل إليها هذا الشؤم. لذلك، تتجنب الأمهات هذا الفعل حرصًا على مستقبل بناتهن.

 

5.  **المكنسة:** يُشاع أن ضرب الشباب بالمكنسة يمنع عنهم الزواج، وهو معتقد يُشابه في دلالاته ما يُقال عن المغرفة بالنسبة للفتيات، مُسلّطًا الضوء على الخوف من فقدان فرصة الزواج والاستقرار.

 

6.  **العقيق:** يُعتقد أن الرجل الذي يرتدي العقيق حول عنقه سيتزوج امرأة مطلقة ولها أولاد (تُسمى "هجالة" في الدارجة المغربية). هذا المعتقد يجعل الأمهات تمنع أبناءهن من لبس العقيق، اعتقادًا منهن بتأثيره على مصير الزواج.

 

7.  **التثاؤب:** عند وفاة أحد الجيران أو أهل الحي، يُطلب من المتثائبين إغلاق أفواههم بسرعة، اعتقادًا بأن الموت تبحث عن ضحية أخرى ولم تُغادر المنطقة بعد. هذا الفعل يُعبّر عن الخوف العميق من الموت ورغبة الإنسان في تجنب شرها.

 

8.  **القرع (اليقطين المجوف):** يُستخدم القرع المجوف في قبائل جبالة لمخض اللبن. ويُحذر من ضربه، إذ يُعتقد أن ذلك يجلب الرياح الشرقية الحارة التي تضر بالمحاصيل الزراعية. لذلك، تمنع المرأة الجبلية منعًا باتًا ضرب القرع، حمايةً لرزق الأسرة.

 

9.  **الكأس المكسور:** يُنظر إلى كسر كأس أو صحن أو أي جسم زجاجي في المنزل كعلامة خير؛ فبانكساره، يُعتقد أنه يأخذ معه شرًا كان على وشك أن يُصيب أفراد المنزل. لهذا السبب، غالبًا ما يتغاضى أصحاب المقاهي عن ثمن الكأس المكسور، خشية أن يعود الشر بزوال هذه التضحية الرمزية.

 

10. **البوم:** يُعتبر البوم نذير شؤم. فإذا حطّ على منزل، فإنه يُنذر بوفاة أحد أفراده. لذلك، يُهرع الناس إلى رميه بسبع حَجرات لطردِه وطرد شؤمه.

 

11. **الضفدع:** يُعتقد بأن الضفدع حيوان ممسوس ومسكون بالجن، نظرًا لمكوثه في الماء النجس وحركته الليلية النشيطة. لذا، يُنصح بعدم ضربه أو قتله، خشية انتقال المس إلى القاتل. هذا المعتقد يُرسّخ احترام الكائنات الحية بشكل عام.

 

12. **الأشغال المنزلية بالليل:** الكنس وأداء أي أشغال منزلية في الليل (تنظيف، غسل ملابس، ترتيب) يُعتقد أنه يجلب العوز والفقر، ويُفسّر ذلك بأن الليل له سُكّانه (الجن أو "موالين البلاد" بالدارجة المغربية)، وعدم إيذائهم بالحركة والعمل المنزلي يُعتبر من حسن الجوار. وإذا تم إيذاؤهم، فإنهم يُؤذون الإنسان، وقد يصل الأمر إلى السكن الجني في جسده.

 

13. **خيوط العنكبوت:** تُعتبر بيوت العنكبوت في زوايا المنزل نذير شؤم، وتُشير إلى الإفراغ والخلاء لسكان المنزل. لذلك، تسارع ربات البيوت إلى إزالتها. وفي سياق مشابه، يُنظر إلى دخول الفأر للمنزل كدلالة على وجود السحر والحسد، مما يجلب الشقاق والخصام بين أهله.

 

14. **المال المتناثر:** يُقال إن سقوط المال من جيب شخص وتناثره على الأرض هو دلالة على قدوم خير وفير ومال كثير لهذا الشخص. هذا المعتقد يُثير البهجة ويُعطي أملًا بالرزق.

 

15. **الوزغ (أبو بريص):** يُعتقد أن عين الوزغ خطيرة جدًا. فإذا نظر إلى فم إنسان مفتوح، يُحصي عدد أسنانه، فتسقط الأسنان تباعًا بسبب التسوس أو لأسباب أخرى. لذلك، يُشدّد على ضرورة إغلاق الفم في حضوره.

 

16. **حبوب الرمان:** تُعتبر حبوب الرمان دموع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك تُحترم وتُؤكل بالكامل دون إهدار أي حبة. هناك تحدٍّ شعبي حول من يأكل الرمانة بكل حبوبها، ويُعتبر الفائز محظوظًا. هذا المعتقد يُشجّع على الاقتصاد ونبذ التبذير، ويُكرّس قيمة الاحترام والتقديس لما تُنبته الأرض.

 

17. **الطير الجميل (الزوش والفراشة):** يُعدّ دخول طير جميل مثل طائر "الزوش" إلى المنزل عبر النافذة، أو رؤية فراشة في المنزل أو على سطحه، بشارة خير تُفرح أهل البيت وتُشير إلى قدوم السعادة والرزق.

 

18. **فرس النبي (السرعوف/الميمونة):** هذه الحشرة الكبيرة، التي تُعرف أيضًا باسم "السرعوف"، يُعتبر دخولها أو وجودها في المنزل علامة على خير قادم. ولقوة دلالتها على الخير، تُسمى في المنطقة بـ "الميمونة".

 

19. **التصفير في المنزل:** يُنصح بعدم التصفير داخل المنزل، لاعتقاد أنه يجلب الخلاء ويدعو إلى فراغ المنزل من أصحابه. ووجه الشبه هنا أن التصفير عادة ما يكون في الأماكن الخالية من الناس والحياة، فيستجلب معه هذه التوابع.

 

20. **تكسير الخبز:** إذا تهافت اثنان من أفراد المنزل على مائدة الطعام لتكسير الخبز في نفس الوقت، فهذه دلالة على وقوع شقاق وخصام بينهما في وقت قريب.

 

## خلاصة واستنتاجات

 

إنّ المعتقدات الشعبية والخرافات في شمال المغرب، كما في العديد من المجتمعات، تُشكّل نسيجًا ثقافيًا معقدًا يُصعب القضاء عليه. فبالرغم من التحديات التي تُفرضها العولمة، وجهود التنوير الديني والعقلي، تظل هذه المعتقدات تُثبت قدرتها على الصمود والمرونة. وحتى في حالة اندثار بعضها من الذاكرة الجمعية، فإنها تُظهر قدرة على التجدد والتكيف مع متغيرات العصر، مُتّخذةً أشكالًا جديدة تُواكب المستجدات.

 

  • تُظهر هذه المعتقدات، المنتشرة في منطقة زومي والمقريصات، تنوعًا وثراءً في المواضيع، وأحيانًا
  •  تكون لها روابط غير مباشرة بالدين. وليس كل هذه المعتقدات سلبية بالضرورة؛ فمنها ما يُحقّق
  •  الراحة النفسية، التوازن، والسلام الداخلي للإنسان، حتى وإن كانت تتعارض مع العقل والمنطق. إنها
  •  تُعبّر عن حاجة الإنسان الفطرية للتفسير، للأمل، وللتنبؤ بالمستقبل، وتُشكّل جزءًا لا يتجزأ من هويته
  •  الثقافية والاجتماعية.

 فى الختام

إن فهم هذه المعتقدات لا يقلّ أهمية عن توثيق التاريخ الرسمي، فهي تُقدّم رؤى فريدة حول كيفية بناء المجتمعات لمعناها الخاص بالعالم، وتفسيرها للظواهر الطبيعية والاجيرات البشرية، وكيفية تعاملها مع المجهول.

 وفي نهاية المطاف، تُعدّ هذه الخرافات والمعتقدات الشعبية بمثابة شهادة حية على ثراء الذاكرة الجمعية لمنطقة شمال المغرب وعمق إرثها الثقافي غير المادي الذي يستحق الحفاظ عليه ودراسته بتمعن.

# الخرافات والمعتقدات الشعبية في شمال المغرب: إرث ثقافي متجذر في الذاكرة الجمعية


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent